الجبرية السياسية ..وصناعة الشيطان بقلم/ صالح أبو العباس
:: مقالات :: صالح أبو العباس
صفحة 1 من اصل 1
الجبرية السياسية ..وصناعة الشيطان بقلم/ صالح أبو العباس
العلاقة مع الآخر تحتاج منا بين الحين والآخر إلى مزيد تحرير وكثير بيان نظرا ً لحساسيتها وغياب الفهم السليم بصددها. فالله عز وجل يقول في كتابه العزيز: "وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" ويصف ربنا في هذه الآية حالَ اليهود والنصارى وعلاقتهم مع الآخر المخالف لهم في الاعتقاد.. فلا يقبلونه معهم ولا يمنحونه الرضا والمودة الخالصة حتى يتبع ملتهم. لقد سنت الحضارة الغربية سنة الإكراه في الدين واتخذت من القهر والبطش سبيلا ً لنشر المسيحية.. بل لنشر مذهب واحد من مذاهبها. فاليعاقبة في مصر والشرق اضطهدهم الأرثوذكس الملكانيون بالقتل والنفي والتشريد وقتل "الإمبراطور جست ينان" مائتي ألف من القبط في مدينة الإسكندرية وحدها.. حتى اضطر من نجا منهم من القتل إلى الهروب في الصحراء . ولكن للأسف الشديد أصبح هذا الخلق المذموم.. وهذا السلوكَ الأثيم سلوكَ ومنهج َ كثير من الناس والحركات والائتلافات والأحزاب بعد ثورة 25يناير. فالحاصل الآن أنه لن يرضى عنك أحد حتى تتبع حزبه وقائده ورمزه وحتى تنحازَ لرأيه وتتبنى فكره . ويقول القرآن الكريم معلقا ً علي قصة أصحاب الكهف ومعاتباً إياهم لتركهم قومهم وما يعبدون من دون الله فلم ينهوهم ولم ينصحوهم.. بل مضوا واعتزلوهم ولاذوا بالاختباء فقال جل وعلا "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ". "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ".. فمن شاء فليتفق ومن شاء فليختلف .. فالاختلاف سنة كونية لا تكن سلبيا ً ولا تكن إمعة لا رأي لك وإن اتهمك الناس في دينك وفكرك. وكأن بعض الناس يؤصلون للنظرية الخاطئة والتي يرفضها الشرع والعقل التي تقول: " إذا أردت أن تعيش شريفا ً وتموت كريماً ويذكرك الناس بالخير فكن إمعة لا رأي لك " فقد ورد في الأثر: "لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا ً وإن أساؤوا أسأنا.. ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسنوا (أن تحسنوا) .. و إن أساؤوا أن لا تظلموا". فلم يربِ الإسلام أتباعه علي قول الحق فحسب .. بل أعطي الآخر الكافر بالإسلام حرية الاعتقاد يقول جل وعلا " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ". ويقول جل وعلا في موضع آخر " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ". وفسرها الإمام القرطبي بقوله "للاختلاف خلقهم" وكأن العلة من الخلق هي الاختلاف. فالاختلاف في الرأي سنة كونية من سنن الله عز وجل في خلقه.. فالإسلام من أول يوم وهو يقبل بالتعددية ويتعايش مع الآخر حتى وإن كان كافرا ً بالإسلام. وهذا واضح في قوله جل وعلا "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ".. وفي قول النبي (صلي الله عليه وسلم) في دستور دولة المدينة "لليهود دينهم وللمسلمين دينهم".. فلم يشيطن الآخر ولم يقصه ولم يسفهه . ولاضمحلال الوعي بهذه الرؤية الثقافية وتلك الحقائق الكونية صرنا نعيش حالة عامة يومية من الإرهاب الفكري.. ولو بمجرد التعبير عن الرأي الذي كفله الإسلام والأديان والدستور والقانون . وهذا هو السائد اليوم فلا يبحث الفرقاء عن أرضية مشتركة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما اعترف بالحركات التحررية الثورية قبل الإسلام كزيد ابن عمرو بن نفيل وحلف الفضول .. بالرغم من كون القائمين عليه كفاراً .. لكنهم يقفون معه على أرضية واحدة ويشتركون معه في الغاية وهى هدم الظلم والقضاء على الطبقية والعنصرية والاستبداد . السائدُ اليوم هو التنافر والتخوين والتناحر والصراع والنزاع والكل يدعى أنه الثوري الوحيد على الساحة ولا ثائرَ غيره . وإذا خالفت أحدا ً في الرأي سيضعك على الفور على الجهة الأخرى من منظومتك الفكرية فقد تصبح ليبرالياً أو علمانياً أو من الفلول أو مخرباً تريد أن تفسد عقول الشباب .. بل قد تصبح أنت شيطانا ً رجيما ً يجب إقصاؤك على الفور وطردك .. إلا إن أعلنتَ توبتك وأعلنت على الملأ خطأك الشنيع بمخالفة الرأي والمعارضة.. والنقد ساعتها فقط سيتم منحك البركة والرضا السامي .. وساعتها لن تكون شيطاناً رجيماً.. بل ستكون مفكرا ً كبيرا ً ولا حول ولا قوة إلا بالله..
صالح ابوالعباس- مشرف
- عدد المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 11/11/2012
مواضيع مماثلة
» الشيزوفرينيا السياسية.. سمة المرحلة بقلم /صالح ابوالعباس
» تخصصوا... حتى لا يضيع الوطن .. بقلم/صالح أبو العباس
» أدركوا صوفية مصر.. قبل فوات الأوان بقلم / صالح أبو العباس
» أبشري أيتها الحائض .. فلستِ نجسا بقلم صالح ابو العباس
» صالح أبو العباس يكتب: المُعارَضة.. وصناعَة المُسْتبد
» تخصصوا... حتى لا يضيع الوطن .. بقلم/صالح أبو العباس
» أدركوا صوفية مصر.. قبل فوات الأوان بقلم / صالح أبو العباس
» أبشري أيتها الحائض .. فلستِ نجسا بقلم صالح ابو العباس
» صالح أبو العباس يكتب: المُعارَضة.. وصناعَة المُسْتبد
:: مقالات :: صالح أبو العباس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى